Friday, November 1, 2013

عن داعش

يستقطب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" – داعش، بمقاتليه الأجانب الوافدين الى سوريا، إهتماماً متزايداً نظراً لتوسّع رقعة انتشاره في البلاد ولممارساته المخيفة ولتسلّطه على السوريين في المناطق التي يسيطر عليها. ويتكاثر حضور هذا التنظيم إعلامياً في الغرب ويعدّه كثر من المعلّقين عن جهل أو خبث واحداً من أبرز فصائل الثورة السورية المسلّحة، أو يزجّون به مع بعض جماعات الإسلام السياسي السوري في نفس البوتقة معتبرين الجميع متماهين "جهاديّاً". 
العجالة التالية لا تدّعي أكثر من التذكير بثلاث ملاحظات مرتبطة ب"داعش" تغيب للأسف عن الكثير من المواقف والسجالات.

الملاحظة الأولى تتعلّق بالمعارك التي خاضتها الجماعة في سوريا طيلة الأشهر الماضية. فهي إذا ما استثنينا مشاركتها في المرحلة الأخيرة من معركة مطار منغ مع قوات النظام، خاضت مجمل  قتالها مع القوى الكردية، ومع "لواء أحفاد الرسول" و "لواء عاصفة الشمال" وعدد من كتائب الجيش الحرّ إن في راس العين أو الرّقة أو حلب أو أعزاز. كما أنها أقدمت على اعتقال عدد من أبرز الناشطين والأعلاميين الذين واكبوا الثورة السورية منذ انطلاقتها، أي قبل سنتين من حكمها  للرقة "المحرّرة"، كما خطفت أصدقاء للثورة وداعمين لها من طينة الأب باولو.

الملاحظة الثانية تتّصل بصعود هذه الجماعة سورياً في لحظة تعود العمليات الانتحارية والتفجيرات القاتلة المنسوبة الى "القاعدة - بنسختها الزرقاوية" في العراق الى التكاثر، بما يمكن اعتباره لحظة تقدّم لقوى عدمية تستفيد من الوضع السوري ومصائبه ومن الاضطراب الأمني السياسي العراقي المتفاقم، لتعبّر بعنفها الضاري والمشهديّ عن قدرتها على الاستثمار السريع في "الفراغ" لتعزيز حضورها.

والملاحظة الثالثة مفادها قدرة "داعش" المذهلة على الانغلاق والبقاء جسماً عصيّاً على التواصل الاجتماعي أو الإعلامي المباشر مع السوريين ومع العالم. وليست تغطية الوجوه وعدم ظهور الأمراء والمسؤولين الكبار ورفض المقابلات الإعلامية كما الاحتفاظ بالمختطفين في أماكن سرية وعدم تسرّب شيء عنهم وعن أحوالهم سوى مظاهر لهذا الانغلاق وما يضفيه على التنظيم من هالة وسرّية و"مهابة"...


تشير هذه الملاحظات الى أمرين. أولاً، أن قتال "داعش" للنظام محدود جداً وأن جهدها العسكري الأساسي كما آلتها القمعية هي في مواجهة كتائب وألوية وناشطين وجماعات بعيدين عن هذا النظام أو ثائرين عليه. وهذا لا يعني بالضرورة أن "داعش" عميلة للنظام أو أنها بالكامل صنيعته، بل هي في أولويّاتها لا تُعنى بأمر إسقاطه ولا بالثورة عليه، وأنها تبحث عن الهيمنة وقضم المساحات السياسية التي حرّرتها الثورة في السنتين الماضيتين وتصطدم لذلك بقوى هذه الثورة. وثانياً، أن "داعش" تتغذّى من الوضع الإقليمي الراهن ومن استمرار النظام في سوريا، وتُغذّي الأخير في المقابل عبر تكريس الصورة التي اعتمدها في دعايته منذ البداية توصيفاً لمعارضيه، وعبر التسبّب في إحباط جزء لا يستهان به من جمهور هؤلاء المعارضين.

لكل ما سبق ولغيره من الأسباب المرتبطة بفكر "داعش" العدمي وبممارساتها، يفيد بعض المعارضات السورية أن تنهي الارتباك الحاصل في المواقف العلنية تجاه هذه الجماعة وأن تقول إن لا علاقة لهكذا جماعات لا من قريب ولا من بعيد بالثورة السورية، بل هي قوّة معادية لها والتخلّص منها واجب لا يفوقه أهمّية إلا التخلّص من النظام. ويفيد أيضاً أن يركّز إعلام المعارضات على هذا الأمر، كي لا يبقي البحث فيه حكراً على أفراد أو على صحافيين...
زياد ماجد