Wednesday, June 25, 2014

آباء داعش

ليس تنظيم "داعش" جديداً في المنطقة، ولا هو تعبير مستجدّ عن أزمات تصيب مجتمعات في لحظة تحوّلات أطلقتها الثورات العربية فيها أو في جوارها.
"داعش" هو على العكس من ذلك، إبنٌ لأكثر من أب ونتاج لأكثر من مرضٍ منتشر منذ أمدٍ، وما طفرته اليوم إلاّ نتيجة تفاقم الصراعات التي تسبّب بها الآباء هؤلاء، منهم بعد موتهم، ومنهم في ما يتبقّى من حياتهم.
 
فـ"داعش" هو أوّلاً ابن الاستبداد. وهو ابن أبشع استبداد نُكبت به المنطقة، إذ ليس صدفة أن نرى قوامه متركّزاً في العراق وسوريا، حيث حَكم صدّام حسين وحافظ وبشار الأسد عقوداً طويلة، فقتلوا مئات آلاف البشر، ودمّروا الحياة السياسية، وعمّقوا الطائفية محوّلين إياها الى آليّات إقصاء واستقطاب سياسيّين والى مظالم وجرائم ضد الإنسانية.
و"داعش" هو ثانياً ابن الاجتياح الأميركي للعراق، بالطريقة التي تمّ بها، وبالإدارة الكوارثية التي تلته. ذلك أن استبعاد قسم من العراقيين عن الحكم، وتشكيل سلطة جديدة تميّز ضدّهم وتأخذهم على جريرة صدّام وحزبه، مكّن مجموعات مثل تلك التي أنشأها الزرقاوي واستأنف "داعش" اليوم نشاطها من التواصل مع بعض مكوّنات المجتمع العراقي والإقامة بينها.
و"داعش" هو ثالثاً ابن العدوانية الإيرانية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، واتّخذت من العراق ولبنان وسوريا ساحات أساسية لها، فغذّت المذهبية وجعلتها عصبية تعبئة إيديولوجية وسياسة ثأر وانتقام وردود فعل متواصلة (ومتبادَلة).
و"داعش" هو رابعاً ابن بعض الشبكات السلفية الخليجية، التي نشأت وترعرعت خلال الثمانينات، عقب الطفرة النفطية والجهاد الأفغاني، والتي استمرّت في العمل والتوسّع طيلة العقدين الأخيرين تحت مسمّيات مختلفة تصبّ جميعها في مصلحة التطرّف والظلامية.
و"داعش" هو خامساً، ابن أزمة عميقة ضاربة في فكر بعض الجماعات الإسلامية التي يهرب معتنقوها من الفشل الرهيب في مواجهة تحدّيات الحاضر نحو نموذج متخيّل من القرن السابع، يظنّون في طيّاته (الموهومة) جواباً على أسئلة معاصرة أو مستقبلية. والصامتون عنهم جهراً من باقي الجماعات إنما يوفّرون لهم فُرصاً تُعيلهم على الاستمرار.
و"داعش" هو سادساً ابن العنف، أو ابن البيئة التي تتعرّض للهمجية الضاربة، فتنمو فيها أمراض أو حالات عنف مضاد تسهّل بروز "الداعشية" وتمدّدها. ولنا في سوريا اليوم المتروكة تحت البراميل المتفجّرة، وقبلها في العراق، مختبرٌ تظهر فيه نتائج ترك القتل والقهر عناصر حياة يومية على مدى سنوات.



"داعش" هو إذن مخلوق متوحّش فيه من عناصر ستة (وأكثر) أطرافٌ وجذع ورأس دميم. واستمراره مرتبط باستمرار العناصر المذكورة، لا سيّما عنصر العنف الذي يجسّد نظام الأسد في سوريا أبشع أشكاله الراهنة. أما الذين يظنّون أنهم بِحيادهم أو بدعمهم لطغاة وأنظمة هي في أصل الداء سيكافحون "الداعشية"، فعليهم أن يتوقّعوا المزيد منها ومن شظاياها القاتلة، من لبنان الى أرجاء كثيرة في المعمورة...
زياد ماجد