Sunday, December 7, 2014

السفير السوري في لبنان

بعد أن كان الشارع المحاذي لسفارته في منطقة رأس بيروت ساحة ضرب بالعصي والسكاكين يمارسها رعاعٌ من حرس السفارة اللبنانيّين والسوريّين ومن أحزاب موالية لنظام الأسد ضد المتظاهرين والمعتصمين استنكاراً للمجازر في سوريا، وبعد أن اتُّهم أمنه بخطف مواطنين سوريّين من لبنان وإدخالهم الى الأراضي السورية حيث اختفوا تماماً، انتقل السفير علي عبد الكريم علي وطاقم سفارته الى منطقة اليرزة، ليستأنفوا من هناك أنشطتهم وسط صمت أو تواطؤ رسميّ لبناني.

من هذه الأنشطة على سبيل المثال:
- تنظيم فضائحي على الطريقة الأسدية لانتخابات جُرّ إليها ألوف العمّال وهُدّدوا بإقاماتهم ورزقهم (خاصة في مناطق هيمنة حلفاء النظام اللبنانيين)، وأُهينوا أمام السفارة وهم مُجبرون على الركوع والتقدّم بوضعية القرفصاء نحو مدخل قاعة "الاقتراع" للتصويت ومبايعة "الرئيس" الأسد.
- إقامة مآدب أطعمة على شرف "بعثات" سوريّة لمناقشة شؤون لبنانية، على نحو يوحي أن الأمور ما زالت على جري عادتها في البلدين وبينهما ومن حولهما.... ولعلّ الخبر التالي (الذي يخاله القارئ تهكّماً لولا أنه منشور في إحدى الصحف القريبة سياسياً الى الأسد وحلفائه) يعبّر خير تعبير عن أجواء المآدب المذكورة ومستوى ما يدور فيها من أحاديث "ديبلوماسية": "ساعتان على مائدة عامرة بالمأكولات الدمشقية، أمضاهما الوزير المعلم وفريقه مع الضيوف الذين أكثروا من الحديث في الشؤون اللبنانية الحكومية والنيابية والرئاسية، وصولاً الى قوانين الانتخاب وأحجام الدوائر الانتخابية، حيث استمع الوفد السوري الى زحمة النقاشات اللبنانية باهتمام، من دون إغفال اطمئنان الضيوف على صحة المعلّم الذي زار بيروت قبل مدة لمعالجته من انتكاسة صحية" (جريدة الأخبار، "عشاء دمشقي في اليرزة"، 26 تشرين الثاني 2014).
- تقديم التعازي بوفاة صحافيين وفنّانين لبنانيّين بما يُسيء الى أصحاب المناسبات والمشاركين فيها على حدّ سواء، وبما يعبّر عن وقاحة مسكوت عنها لبنانياً تتيح لممثّل نظام يذبح المدنيّين بعشرات الآلاف منذ سنوات أن يُبدي وداعة إنسانية وحزناً على رحيل أفراد (تاركاً حارسه في مشاركته الأخيرة يقف خلفه على نحو منفّر متكبّر، إذ أن المقام هو مقام جلوس في صفوف صامتة ومتناسقة).


وإذا كان من غير المستغرب أن تكتفي السفارة السورية بمهام من هذا النوع، بعد تراجع أدوارها الأمنية و"البلطجية"، وإذا كان من غير المستغرب أيضاً ألاّ تهتمّ سفارة النظام الأسدي بأحوال أكثر من مليون لاجئ سوري في لبنان وألّا يتجرّأ السفير علي على زيارة تجمّع واحد من تجمّعات اللجوء حيث مئات المواطنين ممّن قصف نظامه بيوتهم وقتل أفراداً من عائلاتهم وشرّدهم، وإذا كان من غير المستغرب أيضاً وأيضاً عدم استنكار السفارة للممارسات العنصرية أو للشعارات والمقالات التي تنال من كرامة السوريّين في لبنان، وقسم كبير منهم كان يتمنّى نظام السفير ليس مهانتهم فحسب بل وإبادتهم أيضاً، فإن المستغرب هو صمت بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين عن وجود هذا الرجل وسفارته على مقربة من بيروت.


ذلك أن "النأي بالنفس" المتَّخذ شعاراً سياسياً رسمياً لبنانياً تجاه القضية السورية يقتضي إقفالاً لسفارة النظام تماماً كما اقتضى عدم اعتراف بالمعارضة السورية ممثّلاً للشعب السوري. أما ادّعاء الحياد والسماح لسفير الأسد بالتجوّل وتنظيم "الانتخابات" والمآدب، والتضييق في المقابل على السوريّين اللاجئين، فهو نفاق وانحياز يخرج من النطاق "المُضمر" الى التبنّي الرسمي الجماعي المفروض، ولو على عكس إرادة بعض الأطراف المشاركة في السلطة، الصامتة و"الخفِرة" بلا مبرّر... 
زياد ماجد