Saturday, February 14, 2015

في جريمة الحرق وصُوَرها

احتلّت صحفَ العالمِ ووسائلَ إعلامِه صورٌ من الفيديو الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، داعش، لعملية حرقٍ زعم أنه أعدم بواسطتها الطيّار الأردني معاذ الكساسبة الأسبوع الماضي.
وقد أثارت الصوَر – كما الفيديو نفسه الذي حقّق أرقاماً قياسية في المشاهدة حيثُما عُرض – ردود أفعال على جميع المستويات أجمعت على استنكار الجريمة وعلى التعبير عن الذهول من مقدار البربرية الكامن في مسلك داعش ومخيّلته الإرهابية. كما أجمعت على ضرورة معاقبة داعش، والاستمرار بالغارات الجوية ضدّ مواقعه في العراق وسوريا وتكثيفها.
في الوقت نفسه، أي أثناء عملية حرق الطيّار الأردني ثم عمليّة احتلال صُوَر الحرق والتعليقات عليه صدارةَ الأخبار في معظم الإعلام في العالم، كان طيران الأسد يقصف بلداتٍ في أريافٍ وأحياء في مدن سورية عدّة ويحرق عشرات المواطنين ببراميله، بينهم أطفال ونساء وشيوخ، من دون أن يكون للأمر وقعٌ كبير إعلامياً، ومن دونِ أن يُثيرَ ردوداً غاضبة أو حتى اهتماماً ومتابعة واسعَين

فلماذا هذا الاختلاف في التعامل الإعلامي – الغربي خاصة - مع الجرائم المُرتكبة في نفس اللحظة والمنطقة؟ وما اللافت فعلاً في جرائم داعش، وآخرها جريمة الحرق تلك؟
الأرجح أن ثمة بُعدَين رئيسيّين تتمحور حولهما الإجابات عن التساؤلين المذكورَين. الأوّل مرتبطٌ بهوية القاتل وأداة القتل، والثاني مرتبطٌ بفعل تصوير الحرق المحترف، أي بالصورة وتقنيّاتها وفظاعتها المشهديّة.
فأن يكون القاتل داعشياً يستخدمُ النحر والحرق ويُخاطب غرائز عنفية ويستقطب قتلةً باسم الإسلام، ففي الأمر ما يجعل جرائمه مهيّأةً لا بل جذّابة لكل تغطيةٍ إعلامية تبحث عن إثارة خوف في العام 2015 من أساليب قتل تبدو وكأنها قادمة من زمن آخر، من القرون الوسطى، أي من ماضي مشاهديها السحيق. كما أن جرائمه هذه تغذّي في بعض الأوساط - غرباً وشرقاً – كراهيتها القائمة أصلاً للإسلام باعتباره "مولّداً للوحشية"، فتكرّس لدى الكارِهين اعتدادَهم بمشاعرهم وبجدواها.
أما في ما يخصّ الصورة، فقد اعتنى بها داعش وبنوعيتها اعتناءً خاصاً موظّفاً تقنيات فنّية عالية تجعل مشاهد أفلامه هوليوودية، وتتيح بالتالي انتشاراً وتأثيراً واسعين يُستخدمان للتخويف كما للاستقطاب أو لمجّرد البقاء محور تغطية إعلامية عالمية تثير الفضول وتعزّز نزعات تلصصية عند قسم كبير من المشاهدين.


يُشير ما تقدّم، إن صحّ، الى أن داعش يحقّق حتى الآن أهدافه الإعلامية ويبقى مع كل
فعلٍ شنيع محطّ اهتمام ونقاش دوليّين. وهو فوق ذلك يكمّل، في تبعات ما يفعل، عملي إخفاء مئات الآلاف من السوريّات والسوريّين الذين يتعرّضون للحرق يومياً منذ أربع سنوات (وأكثر) بنيران نظام البراميل والكيماوي، حارماً موتهم الصامت أو صورهم غير المحترفة من جذب الإعلام (المتواطئ) أو التسلّل إليه
زياد ماجد