Wednesday, September 30, 2015

روسيا بين الساحل السوري والأمم المتحدة

نشرت روسيا قواتٍ عسكرية على الساحل السوري، ونفّذ طيرانها طلعات استكشاف عدّة فوق الأراضي السورية. وربطت موسكو الأمر باتّفاقات دفاعٍ سابقة وبخطّة تطوير ميناء طرطوس الى قاعدة عسكرية متعدّدة الاستخدامات بحلول العام 2020.
الولايات المتّحدة ردّت بخجل على التطوّر العسكري الاستراتيجي هذا واكتفت حتى الآن باستنكاره، وكذا فعل الاتحاد الأوروبي المُشتبك مع الروس اقتصادياً بسبب أوكرانيا. أما تركيا ودول الخليج العربي التي حاولت أكثر من مرّة إبعاد موسكو عن طهران في ما خصّ الشأن السوري فلم تبلور ردّاً بعد، وليس واضحاً ما إذا كانت قادرةً على بلورة ردٍّ موحَّدٍ أصلاً.
في الوقت عينه، توالت المبادرات الدولية حول سوريا، وتحوّل اجتماع الأمم المتّحدة الى حلبة تصريحات وتصريحات مضادة. ويمكن في هذا الصدد تسجيل ملاحظتين.

الأولى أن المواقف الدولية لم تتبدّل كثيراً رغم كل الإشاعات والمزاعم. فروسيا وإيران تتمسّكان بالأسد لمرحلة إنتقالية. والولايات المتّحدة الأميركية وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر تريد المرحلة تلك من دونه مع عبارات جديدة تُستخدم في نيويورك تسِمه بـ"مجرم الحرب" و"الطاغية" و"قاتل شعبه" و"السبب الأول في جذب الجهاديّين" و"المسؤول عن الإرهاب"، في حين تراجعت بريطانيا عن لغةٍ كانت أقرب الى لغة المبعوث الأممي دي مستورا الذي يقول ببقاء الأسد مؤقّتاً بصلاحيات بروتوكولية، لتُعلن بدورها عن ضرورة رحيل الأخير. وهذا يعني أن الالتباسات والخلافات التي تلت مؤتمرَي جنيف الأوّل والثاني ما زالت مستمرّة، وأن لا لغة أو مواقف اليومَ يمكن اعتبارها حاسمة. 
والثانية أن بعض التصريحات والتسريبات الإعلامية الأممية والبريطانية تجعل كل بحثٍ عن تطبيع مع الأسد فاقد الصلاحية والمعنى. فأن تُصرّح كارلا دل بونتي عضو مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتّحدة بأنها "ترى الأسد سائراً على خطى ميلوسيفيتش"، وأن تتحدّث أكثر من صحيفة بريطانية عن وجود ملفّ قانوني مدعّم بالإثباتات والشهادات يُدين المسؤولين السوريّين وأوّلهم الأسد لارتكابهم جرائم حرب، ففي الأمر ما يتخطّى الاستهلاك الإعلامي، نحو شكلٍ من أشكال الضغط القانوني والسياسي الذي يحاصر التطبيع مع "الرئيس السوري" ويُبقي سيف القضاء الدولي مسلّطاً ضده، منتظراً إرادة سياسية (ما زالت مُعلّقة) لاستخدامه.


انطلاقاً من كلّ ذلك، وبالعودة الى الانتشار العسكري الروسي في سوريا، يمكن الحديث عن سعي موسكو لخلق واقع ميداني برسائل متعدّدة يستبق أي تطوّر دولي مُحتمل.
الرسالة الأولى أن روسيا لن تسمح بسقوط الأسد عسكرياً، وفي ذلك اعتراف باحتمال هذا السقوط رغم كل الدعم الإيراني المباشر وعبر الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية الذي أبقاه حيّاً حتى اللحظة.
الرسالة الثانية سعي روسي لحجز موقع أساسي، بالقوة، في أي مرحلة إنتقالية قد تقتضي التضحية سياسياً بالأسد.
الرسالة الثالثة، طمأنة إسرائيل ولعب لدور الضامن الوسيط بينها وبين إيران بحيث لا يكون استمرار تدفّق مقاتلي حزب الله ومعهم باقي المقاتلين الشيعة والضباط الإيرانيين مدعاة قلقٍ لتل أبيب إذ تتعهّد روسيا لها بأنهم معنيون حصراً بالدفاع عن الأسد في دمشق وأن لا تبدّل سيطرأ على اتفاقية الهدنة المعمول بها منذ العام 1974 في الجولان.
ويجوز إضافة رسالة رابعة مفادها أن موسكو لا ترغب في تحوّل الميليشيات الشيعية الإيرانية الى القوّة الأولى بدل بقايا جيش النظام، لذلك تسعى لتعويم الأخير في جبهات قتال مثلّث اللاذقية إدلب حماه حيث يتعرّض للهزائم المهينة الواحدة بعد الأخرى على يد "جيش الفتح". وهذا يعني أن الهدف العسكري الفعلي للروس إن قرّروا تنفيذ اعتداءات ميدانية قد يكون "جيش الفتح" نفسه بمكوّناته المختلفة، بما قد يطرح مجموعة تحدّيات، لها مبحثٌ آخر. 

في الخلاصة أن روسيا تُحاول التقدّم على سائر الأطراف المنخرطة مباشرةً أو على نحو غير مباشر في الصراع السوري. وهي تستهلّ في ذلك مرحلةً لا جديد سياسياً فيها بعدُ، بل المزيد من شدّ الحبال في انتظار سلّة التسويات أو التصعيد.
زياد ماجد