Thursday, November 26, 2015

لبنان والبرازيل والطائفية والمرأة

في العام 2010، ومن باب التحية لسمير قصير ولبيروت، صوّرت الفنّانة الفرنسية ساندرا إيشي مجموعة مقابلات مع كتّابٍ أصدقاء لسمير، وكتبت نصّاً مسرحياً يربط المقابلات بما اختارَته من محاور لتحيّتها، وأقامت تجهيزاً ونظّمت عرضاً روَت فيه قصّتها مع بيروت وصيرورتها. 
طرحت ساندرا إيشي على الكتّاب الذين قابلتهم يومها - وأنا منهم - سؤالاً واحداً: أن يتخيّلوا بيروت في العام 2030، وأن يتخيّلوا استطراداً لبنان والشرق الأوسط ومآلات القضايا "الكبرى" فيهما في ذلك التاريخ.
 
تذكّرت عمل إيشي ومساهمتي في ذلك العمل وأنا أتابع السجالات والنقاشات السياسية البرلمانية في بيروت حول قوانين الجنسية وحول ما سُمّي استردادها من ناحية، وحول رفض منح المرأة اللبنانية حقّ نقل الجنسية من ناحية ثانية.
والتذكّر هذا مردّه أنني في تخيّلي لبيروت في العام 2030 تحدّثت عن الطائفية وتعاظم طقوسها وتأثيرها على العمران البيروتي الجديد وعلى الكنائس والمساجد والحسينيّات وعلى التنظيم المدني، كما تحدّثت عن تبديلات ديموغرافية وسّعت الحضور المسيحي بعد تجنيس مئات آلاف البرازيليّين وانتقال عدد منهم للإقامة في لبنان. وخلصت الى أن مشاركة هؤلاء في الاجتماع اللبناني عدّلت أربعة أمور: المطبخ إذ مدّته بمآكل برازيلية وجعلت من "الكايبرينيا" منافساً للعرَق على الموائد؛ الموسيقى إذ أدخلت البوسانوفا والسامبا الى الذائقة الموسيقية العامة وصار لبيروت كارنفالها؛ تدريس اللغات الذي صار يشمل البرتغالية ويحاول جعلها لغةً ثانية في البلد؛ وكرة القدم التي تحسّن مستواها وصارت منافسةً على الصعيد الآسيوي ومتأهّبةً للانخراط في كأس العالم...

وإذا كان في كلامي يومها مزاحٌ أو تنميطٌ أو تمرين كاريكاتوري، فإن المشهد اللبناني الراهن وتعامل بعض السياسيين مع أمر البحث عن البرازيليّين ذوي الأصول اللبنانية الراغبين "باستعادة الجنسية" لا مجال لأي مزاح فيه، ولا يعكس سوى هوس طائفي وادّعاء إنجازات افتراضية في ما خصّ تعديل الديموغرافيا اللبنانية و"حماية الوجود المسيحي في لبنان والشرق".


على أن الهوس الطائفي هذا، معطوفاً على مقدار عالٍ من الهيمنة الذكورية وقيمِها (البطركية)، دفع الباحثين عن متحدّرين من أصل لبناني في أميركا اللاتينية الى نبذ لبنانيّين في لبنان نفسه ومنع الجنسية عنهم لأن انتماءهم إليه جاء عن طريق أمّهاتهم. فالنساء اللبنانيات لا يمنحن الجنسية لمن يمنحن الحياة، ولبنانيّتهن في عرف أكثرية "المشرّعين" على اختلاف طوائفهم ومناطقهم وخلفياتهم السياسية ناقصة، تماماً كما هي ناقصة حقوقهن السياسية والقانونية وشبه معدومة مشاركتهنّ في المجالس النيابية وفي الحكومات. 

هكذا، يُكمل معظم السياسيّين في السُلطة القائمة وفي أغلب معارضاتها (ومن خلفهم كثرة من رجال الدين) أداءهم الاستثنائي السوء، متّخذين من ملف الجنسية اللبنانية وعلاقتها بالطائفية كما بالحقوق البديهية للمرأة حقل تخلّفهم الجديد. وكلّ ذلك إذ يترافق مع ذكرى الاستقلال الثانية والسبعين، يذكّرنا بما وصلنا إليه اليوم بعد عقود من الانحدار "الوطني" المتواصل، ويحفّز البعض ربما على محاولات جديدة لوقف هذا الانحدار، أو على الأقل للجم سرعته...
زياد ماجد