Sunday, November 29, 2015

حوار في "العرب" اللندنية حول قضايا سوريّة ولبنانيّة

زياد ماجد، كاتب لبناني وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في باريس. صدر له عن دار شرق الكتاب في بيروت "سوريا، الثورة اليتيمة".
 ألتقاه سعد نجم من "العرب" على هامش ندوة له في نانسي في فرنسا، وكان هذا الحوار.

1-   ما هو تقديرك للتفاهمات الدولية التي حدثت مؤخرا في فيينا حول القضية السورية؟ وهل تعتبر المهلة المقدرة لسير عملية الانتقال السلمي للسلطة مجرد تمييع للمسألة وفرصة لكسب الوقت لصالح النظام السوري، أم أن هناك اتفاقاً دولياً فعلياً لانهاء الصراع في سوريا؟
لست متفائلاً في ما خصّ اجتماعات فيينا. فالمراوحة السياسية منذ جنيف الأولى والثانية، لا بل منذ المبادرة العربية الدولية أواخر العام 2011، مستمرة وفق عناوين متقاربة رغم التطوّرات الميدانية الكارثية المتسارعة ورغم هول المصائب التي حلّت بالسوريّين. الحديث عن المرحلة الانتقالية وعن مصير الأسد والخلافات حول الأمر ما زالت أبرز الأمور التي تحول دون اتفاقات سياسية بين اللاعبين الإقليميّين والدوليّين. وصعود "داعش" منذ أواخر العام 2013 جعل الكثير من المناقشات والإجراءات تتحوّل الى مجرّد كلام "تقنيّ" وخطابات ضد الإرهاب تتناسى في أغلب الأحيان مسبّب الإرهاب الأول، أي نظام الأسد.
طبعاً يترافق مع ذلك منذ أسابيع تدخّل عسكري روسي مباشر بعد تدخّل إيراني عراقي لبناني مذهبي متواصل منذ ثلاث سنوات لإنقاذ الأسد من جهة، ولحماية نفوذ خاص أو تكريسه من جهة ثانية. فالصراع اليوم هو إضافة الى خصائصه الداخلية الثورية والأهلية، صراع على سوريا وموقعها.

2-   هل تعتقد أن الحديث عن عدم وجود مستقبل للأسد في السلطة حديث جدي؟
هو حديث جدّي تبعاً لمصدر الحديث. ففي باريس مثلاً هناك قناعة بالأمر لدى الرئاسة ووزارة الخارجية ولدى الخبراء في الشأن السوري. ويمكن القول أيضاً أن هناك قناعة مشابهة في بعض الدوائر القانونية والحقوقية الأممية والأوروبية، إذ أن الملفات القضائية ضد الأسد جدّية وما زال بعضها قيد الإعداد والتدقيق، ولا أظنّها ستبقى طويلاً في الأدراج ولو أنها ستخضع لابتزازات ومقايضات سياسية لفترة. والجدية مماثلة أيضاً في بعض العواصم الإقليمية كأنقرة والرياض والدوحة بمعزل عن أي تقييم لسياسات هذه العواصم وتعرّجات هذه السياسات. لكن الأمر أقلّ جدّية برأيي في واشنطن، التي تبقى كما موسكو والى حدّ ما طهران، الأكثر تأثيراً وقدرةً على تعديل موازين القوى في سوريا راهناً.

3-   هل تعتقد أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها باريس لها أي صلة بالوضع السوري؟
طبعاً لها صلة ولها تأثير. فترك الوضع السوري نهباً للقتل والبراميل والكيماوي والسكاكين التي يُعملها نظام الأسد منذ سنوات فتكاً بالسوريين والسوريات سهّل صعود داعش وتمدّدها. والأخيرة تريد إظهار قدرة على الضرب خارج خطوط انتشارها العراقية والسورية، وتريد استخدام ذلك للمزيد من الاستقطاب وللبقاء محور الخطاب الإعلامي والمباحثات الدولية. كما أنها تريد أن تظهر بموقع القوة المتعرّضة لهجوم العالم بأسره، لكي تعتنق خطاب مظلومية ولتوكّد خطابها المتحدّث عن فسطاطي الإسلام وأعدائه. واختيار فرنسا له طابع "إجرائي" إذ أن الخلايا في فرنسا قد تجد لها مواطئ أقدام في بعض ضواحي المدن الكبرى المهمّشة والمتروكة لأزماتها منذ عقود، كما أن له طابعاً سياسياً يهدف الى تعديل الوجهة الفرنسية المعتمدة حتى الآن والرافضة لاعتبار أن ثمة خياراً بين الأسد وداعش. فداعش تريد أن يتوحّد "العالم" في مواجهتها وأن يبدو قابلاً بجرائم الأسد كي تتحدّث عن الحملات الصليبية التي تستهدفها وتستثني غيرها. وهذا أيضاً ما يُفرح الأسد الذي لم يخفِ شماتته بهجمات باريس.

4-   باعتقادك، كيف ستتعامل باريس مع الهجمات الارهابية التي تعرضت لها؟
هناك ضغوط كبيرة من أقصى اليسار كما من الوسط واليمين وأقصى اليمين على رئيس الجمهورية وحكومته الاشتراكية لتعديل مواقفهم من سوريا والتحالف مع روسيا، بما يعني ضمناً الإقلاع عن المطالبة برحيل الأسد. حتى الآن ما زال الموقف الرسمي الفرنسي يقول بضرورة إزاحة الأسد لضمان فاعلية الحرب على الإرهاب الداعشي، وما زال الرفض قائماً للتطبيع مع النظام في دمشق. لكن التعاون مع روسيا صار خياراً عملانياً وهو بدأ. والمعركة في فرنسا اليوم هي حول حدود هذا التعاون وضرورة ألا يكون مقدّمة لتعديل الموقف الفرنسي تجاه المسألة السورية. ومن الضروري أن يزداد موقف العواصم الإقليمية المناوئة للنظام السوري تشدّداً وأن يظهر موقف المعارضة السورية بأطيافها المختلفة أكثر تصلّباً من الأسد ومن داعش لدعم الموقف الفرنسي ولإقران فاعلية الحرب على داعش بمشروطية التخلّص من جذر الشر الجاثم على صدر سوريا منذ 45 عاماً: نظام الأسد.

5-   ماذا تقول في مصطلح " العلوية السياسية " الذي أطلقه المفكر السوري صادق جلال العظم؟
سبق لي أن كتبت مقالاً في جريدة الحياة حول الموضوع. برأيي أن خلفية المصطلح الذي استخدمه أستاذنا صادق جلال العظم، والتي تتّخذ من الحالة اللبنانية المارونية مرجعية، تجعله غير موفّق. ليس لأن النظام الأسدي ليس طائفياً، بل هو شديد الطائفية، وفي هذا ما يجعل فاشيّته أشدّ فتكاً بالمجتمع. عدم التوفيق مردّه أن السياق التاريخي الذي نشأت فيه المارونية السياسية في لبنان وقوام هذه المارونية يختلف تماماً عن حالة النظام في سوريا وبنيته المخابراتية – الطائفية. ففي لبنان، قامت المارونية السياسية على أساس نخب هي مزيج من إقطاعيات (ملكيّات أراضي) ومصرفيّين وحقوقيّين. وكان للتعليم وللعلاقة بالغرب عبر الإرساليات وللتحوّلات الاقتصادية في جبل لبنان خلال القرن التاسع عشر الأثر الكبير في ثقافة المارونية السياسية، كما أنها لم تكن معسكرة ولا أمنية أو مخابراتية، وكلّ ذلك يجعلها على النقيض من الحالة الأسدية – بامتداداتها الطائفية وبعلاقتها بالعلويّين وبأساليب تعبئهم وصهرهم أمنياً وسياسياً - في سوريا.
يبقى أن الحملة على العظم بسبب هذا المصطلح من قبل بعض مدّعي المعارضة أو العلمنة أو العلم السياسي كانت مصطنعة وبائسة ولا علاقة لها بأي خلاف حول المصطلح نفسه.

6-   تفاوتت مواقف المثقفين العرب والسوريين حول الثورة السورية. كيف ترى موقف الشاعر أدونيس على وجه الخصوص؟
موقف أدونيس كموقف الكثير من المثقّفين يعبّر أوّلاً عن احتقار لفئات كثيرة داخل المجتمع السوري، هي الفئات الأضعف والأكثر تعرّضاً للاضطهاد والعنف وهي التي ثارت. ويعبّر ثانياً عن رغبة ببقاء أنظمة يستطيعون في ظلّها الحفاظ على مواقع رمزية مُميّزة إذ هي لا تزعجهم وتؤمّن لهم قدرة على التشكّي منها بين حين وآخر (كما من خصومها) لادّعاء نزاهة وبناء مصداقية ليستا من سماتِهم. لهذا هم ضد أي تغيير جدّي، وما حديثهم عن ضرورة تغيير المجتمع قبل تغيير السلطة السياسية سوى نفاق، إذ لا تغيير اجتماعياً أو ثقافياً ممكناً تحت البراميل والصواريخ وعذاب السجون.


7-   ختاماً، وفي ما يخصّ لبنان، كنتَ قد شاركتَ بتأسيس حركة اليسار الديمقراطي مع كل من سمير قصير والياس خوري، وكان للحركة دور في إطلاق انتفاضة الاستقلال في بيروت. هل ما زال لهذه الحركة أي تأثير على الشارع اللبناني، أم لم يعد لها تأثير ملحوظ اليوم؟
تجربة اليسار الديمقراطي كانت بالنسبة لي ولكثر من الصديقات والأصدقاء محاولة لإتمام مجموعة مصالحات: بين الوطنية اللبنانية والانتماء العربي، بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبين فكرة العلمنة والمجتمع باصطفافاته المختلفة وحقوق الأفراد فيه. على أن أولويّتنا كانت في الظرف الذي أسّسنا الحركة فيه مواجهة النظام السوري المهيمن على لبنان، ودعم القوى المُنادية بالتحرّر من هيمنته بمعزل عن خلافاتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معها، التي كنّا نعدّها مدعاة فرز لاحق لطرد النظام السوري من البلد.
بناء على ذلك شاركنا في إطلاق انتفاضة الاستقلال بعد اغتيال رفيق الحريري، وحاولنا لعب دور رئيسي فيها لا يعكس بالضرورة حجمنا الصغير مقارنة بأحجام الكتل السياسية والطائفية الكبرى التي احتشدت في ساحة الشهداء في بيروت في 14 آذار 2005. وكان أساس هذا الدور خطابنا وحضورنا الإعلامي والثقافي وتمايزنا عن النزعات الطائفية الداخلية أو عن بعض ملامح العنصرية ضد السوريين عامةً. وأظنّنا لهذه الأسباب استُهدفنا مباشرة بعد ذلك، عبر اغتيال سمير قصير، ثم عبر اغتيال القائد الشيوعي جورج حاوي الذي كان على مقربة سياسية منّا. وأدّى ذلك الى تضعضع الحركة وتعرّضها لضغوط أمنية شديدة عرقلت قدرتنا على العمل والتحرّك. ثم أضيف الى ذلك أخطاء سياسية وتنظيمية وتماهي بعض قادة الحركة تماماً مع الخطاب السائد في معسكر 14 آذار بما أنهى ميزتنا التفاضلية أو اختلافنا عن بقية الحلفاء "المؤقّتين"، وهذا أدّى الى نزيف من الحركة والى ضمور تدريجي، ولم يبق منها اليوم سوى بعض البيانات ومحاولات يقوم بها رفاق لإبقائها حيّة. علماَ أني استقلت من قيادة الحركة العام 2007 ومن العضوية في الحركة أواخر العام 2009.