Wednesday, February 17, 2016

البابا فرنسيس والبطريرك كاريل

لا شك أن اللقاء بين بابا الفاتيكان فرنسيس وبطريرك روسيا سيريل قبل أيامٍ في مطار هافانا في كوبا حدثٌ عظيم الأهمية في التاريخ المسيحي، إذ هو أنهى قطيعةً بدأت مع الانشقاق داخل الكنيسة العام 1054 واستمر طيلة السنوات الـ962 الماضية. 
ولا شكّ أن الإعلان الذي صدر عن اللقاء مثير للاهتمام على أكثر من صعيد، وأن نشر صحفٍ لمعلومات منسوبة الى فريقَي عمل البابا والبطريرك حول المصاعب التي واجهت صياغة ذلك الإعلان مثيرة بدورها. فهي تبدأ من الصراع الروسي الأوكراني وتمرّ بالمواقف من الكنائس الكاثوليكية الشرقية وتصل الى الخلافات اللاهوتية والأدبيات العدائية المتبادلة التي ما زالت تيارات في الكنيستين تعتمدها. 
على أن ما يبدو أكثر أهمية وأشدّ أثراً في أوضاعنا الراهنة هو اتّفاق رأسَي الكنيستَين على الموقف من "مسيحيّي الشرق"، وتشخيصهما أوضاعهم على نحو يعدّها تراوح بين الاضطهاد والخطر الوجودي. وفي هذا ما لا يحمل الكثير من المغالطات فحسب، بل يساهم كذلك في تعميق الشروخ داخل المجتمعات "الشرقية" بين المسيحيين وسواهم من "المواطنين"، إذ يتعامل مع الأوّلين وكأنهم "جاليات" للكنيستين وليسوا أبناء وبنات أوطانهم وقضاياها، ويعدّ معاناة الآخرين أقلّ شأناً أو تاليةً زمنياً لمُصاب المسيحيّين. وهذا تزوير لواقع المنطقة ولابتلاء أهلها جميعهم – مسيحيّين ومسلمين وأقلّيات دينية وغير متديّنة - بالاستبداد والاحتلال السابقَين بعقودٍ طويلة على مجريات السنوات المنصرمة ومِحَنها.

وإذا عطفنا على الموضوع دعم الكنيسة الروسية لتدخّل موسكو العسكري في سوريا ومباركتها له، ودعوة الإعلان المشترك المجتمعَ الدولي والدول المعنية بالحرب على "الإرهاب" الى التنسيق والتعاون في العراق وسوريا، أمكننا التساؤل عن موقف الإعلان نفسه من النظامَين في دمشق وبغداد ورأيه في قتل الطيران الروسي لمئات المدنيّين السوريّين غير المسيحيّين وتدميره البنى التحتية الخدماتية في مناطقهم.


ولعلّ أسئلة الأب جورج مسوح المنشورة ضمن مقاله "فرنسيس وكيريل... أهل الشام أدرى بشعابها" (جريدة النهار، 14 شباط 2016) تُظهّر خير تظهير مغالطات البيان الكثيرة والخطيرة. يسأل الأب مسوح: "مَن هي "الدول المعنيّة بمكافحة الإرهاب" التي يشير إليها الإعلان المشترك؟ ... هل هي أميركا أو روسيا أو فرنسا أو السعودية أو إيران أو تركيا أو إسرائيل؟.... وهل المقصود بالإرهاب ما تقوم به الجماعات الدينيّة المتطرّفة، "داعش" وسواها، أم "إرهاب الدولة" الذي تمارسه الدول المتورّطة كلّها، بحرًا وبرًّا وجوًّا؟ وهل كانت بلادنا تنعم بالسلام والرفاهيّة قبل ظهور "داعش" وأشباهه؟ ألم يكن ثمّة إرهاب طاغ فيها منذ عقود؟". ثم يُضيف: "لماذا يُغفل الإعلان ذكر الديموقراطية أو المطالبة بالحرّيّة لجميع أبناء هذه البلاد كي يختاروا ما يرونه مناسبًا لهم من نظام للدولة؟ أليس في هذا الإغفال إعلان مبطّن عن دعم الأنظمة الديكتاتوريّة في المنطقة.... وإقرار غير مباشر بدعم ما يسمّى بحلف الأقلّيّات في وجه الغالبيّة الإسلاميّة؟". ويختم مسّوح: "لماذا إغفال ذكر دولة إسرائيل وما جرى وما زال يجري فيها من إرهاب بحقّ الشعب الفلسطينيّ؟ أليس ثمّة إبادة للوجود المسيحيّ في فلسطين؟ ألا يستحقّ الفلسطينيّون المطالبة بحقّ العودة إلى ديارهم؟"...

تشير أسئلة الأب مسوح الى أخطر القضايا التي ذهب إليها الإعلان أو غيّبها. ولا بدّ لأي طرف ديني أو مدني يدّعي حرصاً على السلام والعدالة في المنطقة أن يجيب عليها أو أقلّه يواجهها. سوى ذلك، يُخشى أن تستمر أحوال المسيحيّين في التدهور، تماماً كما أحوال المسلمين وسكّان المنطقة أجمعين.
                                                                                                     زياد ماجد