Wednesday, April 13, 2016

تلك الرائحة

هي محض صدفةٍ أن تحلّ الذكرى الواحدة والأربعون لبدء الحرب الأهلية اللبنانية وما تخلّلها من اجتياحات وصراعات إقليمية ودولية مع انتشار رائحةٍ كريهة في شوارع بيروت. لكنّها صدفة تتخطّى الرمزية، وتنقل تَحلّل الجسم المؤسساتي والخدماتي اللبناني الذي شُيّد بعد الحرب بمعيّة أمرائها ورُعاتهم الخارجيّين الى درجةٍ حسّية جديدة، تُصيب هذه المرّة حاسة الشمّ عند الناس.
 
والحاسةُ المذكورة تبدو الأكثر صدقاً بين الحواس اليوم. إذ يصعب أن تتبدّل طبيعة الرائحة وفق الانتماءات الطائفية أو العائلية لأصحاب الأنوف المتعرّضة لها. ويصعب كذلك أن يجري تأويلها أو تنسيبها الى مؤامرات تستهدف هذا الفريق أو ذاك، أو تطال هذه المقاومة أو تلك. هي رائحة كريهة فحسب، لا يستطيع التهرّب منها المقيمون وعابرو السبيل، المسؤولون عن انبعاثها وغير المسؤولين، ولا يقوى على نفي بشاعتها المحلّلون والإعلاميون والأمنيّون والمستشارون. فهي بالمحصّلة مركّب روائح تختلط فيها النفايات التي تراكمت والتي فشلت الحكومة في التعامل معها وإدارتها، والتلوّث الذي يلفّ معامل الكهرباء وخطوط توتّرها العالي، والمياه الآسنة والمآكل الفاسدة التي تجد طريقاً الى بعض الأسواق الاستهلاكية والمطاعم.

لكنّ تلك الرائحة هي أيضاً رائحة الجسم المؤسّساتي للدولة الآخذ منذ سنوات بالتفكّك والتحلّل البطيء. جسم لم يقدر رغم انقضاء ربع قرن على انتهاء الحرب على انتخاب رئيس للجمهورية، وجسم يمدّد بعضه لنفسه دون تردّد أو خشية أو خجل، وجسم يحمي متاجرين بالبشر ومستعبِدين لنساء ويُتيح لعنصريّين سفهاء أن يتبوّأوا مناصب في أعلى هرمه ويَغضّ الطرف عن تدخّل مشاركين في حكومته بالقتال داخل سوريا وتجويع الآلاف من أهلها، وجسم عاجز عن إصلاح شأن إقتصادي أو مالي أو التحقيق الرصين في فضيحة إدارية واحدة.


هل من عمل سريع ممكنٍ إذاً لصدّ هذه الرائحة؟ لوقف تمدّدها؟ لحماية الأطفال منها؟ تبدو الإجابة راهناً أقرب الى النفي. فلا أسباب موجبة تدفع الى الاعتقاد بأن هواءً نظيفاً سيطردها قريباً من المناخ البيروتي – اللبناني، ولا سلطات مكافحة لمناشئها تبدو قادرة على التدخّل العاجل لإزالتها. 

أغلب الظنّ أن على كثرة من اللبنانيين واللاجئين والأجانب المقيمين في لبنان أن يعتادوا في الفترة المقبلة عليها، أن يعتبروا أنها ناجمة عن شيء ما "منتهي الصلاحية"، وأن يرتّبوا شؤون عطورهم ويبتاعوا كمّامات لتغدو جزءاً من هندامهم اليومي فتُعين أنوفهم وحناجرهم ورواياهم على مقاومة "تلك الرائحة" أو أقلّه، تمويهها.
زياد ماجد